الصفحات

السبت، 7 سبتمبر 2024

هل اطلعت في يوم من الأيام على مقالة الإنسان على ويكيبيديا؟

هل كان لك فرصة لقراءة مقالة "الإنسان" على ويكيبيديا؟ إنها أفضل سيارة فيراري مكتوبة على الإطلاق وبمثابة تحفة فنيّة في التاريخ الإنساني المكتوب وأدعوكم إلى قراءتها! فعلاً هي تحفة ذكاءنا إلى الأبد. إذ وعلى الرغم من أنها تبدو سرداً عادياً كباقي السرديات والوثائقيات المكتوبة إلا أنها ليست كذلك.

تقول المقالة بصيغة الغائب: "البشر، والإنسان الحديث (الإنسان العاقل أو الإنسان العاقل)، هم أكثر أنواع الرئيسيات شيوعًا وانتشارًا، والأنواع الوحيدة الباقية من جنس الإنسان. يتميز البشر، وهم قرد عظيم، بقلة الشعر، والمشي على قدمين، والذكاء العالي، بأدمغة كبيرة، مما يتيح لهم مهارات معرفية أكثر تقدمًا تمكنهم من الازدهار والتكيف في بيئات متنوعة".

كان يُمكن صياغة الوثيقة بصيغة الحاضر؛ هكذا: نحن البشر، أو الإنسان الحديث (الإنسان العاقل أو الإنسان العاقل)، نحن أكثر أنواع الرئيسيات شيوعًا وانتشارًا، والأنواع الوحيدة الباقية من جنس الإنسان. نحن قرد عظيم، بقلة الشعر، والمشي على قدمين، والذكاء العالي، بأدمغة كبيرة، مما يتيح لنا مهارات معرفية أكثر تقدمًا تمكننا من الازدهار والتكيف في بيئات متنوعة.

تعتبر الكتابة عتبة التاريخ، ومقالة ويكيبيديا "الإنسان" هي العتبة الأعظم لتاريخ التدوين وصناعة الأرشيف. إذ ثمة تفوقاً في الوثيقة من جهة اللغة الغيرية وانعدام الذاتية التي تُخاطبنا بها، كما لو أن كاتبها هو جنس أو صنف ذكي مختلف عنا وليس من صنفنا البشري. نجد فيها عظمة المسافة الهائلة التي خلقها كاتب الوثيقة بين نفسه كإنسان حين يعرفنا عن ما هو الإنسان الحديث. هذه المقالة هي أفضل عينة للإجابة عن سؤال ما هو التجرد؟ لقد كُتبت مقالة الإنسان من الأعلى؛ بيد إلهٍ أو من خلف الذكاء اصطناعي. هذا هو الإحساس المركب الذي يجب أن يُصاحبك من الآن فصاعداً حين تقرأ مقالة الإنسان. إحساس ينبع من جودة الذكاء يمكنه خلق مسافات لغوية تتحرك بين الذاتية والغيرية. لم يتمكن "تشات جي بي تي" من فك شفرة المقالة حين سألته "هل يمكن أن تخبرني ما هو التميّز اللغوي الذي تتمتع به وثيقة الإنسان على ويكيبيديا؟.

كررت السؤال مراتٍ عدة وعلى دورات نقاش متتالية؛ كانت أجوبته تُشدد على مسألة تماسك النص وسلاسته، غير أن ملاحظتي لمسألة الغرابة المتأتية من أسلوب كتابتها بصيغة الغائب والاغتراب اللغوي نحو الغيرية بمثابة احتكار احساسي المعنوي نحو المقالة. إنها المفارقة الجوهرية التي تميّز مسألة سرعة الذكاء الاصطناعي من جهة، وجودة الذكاء البشري من جهة أخرى. لقد أردت من الأسئلة أن يلاحظ "تشات جي بي تي" ما كنت للتو قد لاحظته في النص. أردت أن يفهم شيئاً جوهرياً شعرت به نحو النص؛ ولكنه لم يشعر بذلك أن مقالة "الإنسان" تحتوي على غموض وتفرد لغوي غريب.

الجمعة، 6 سبتمبر 2024

أفكار قد تبدو سخيفة.. ولكن عليك التعرف عليها

لولا البكتيريا لما كان هنالك أدوات وأشياء في عالمنا، إذ فمنذ مجيئها للأرض انشغلت البكتيريا ولمدة 2000 مليون عام في إنتاج مادة الحديد بالتحديد.

تقول واحدة من الروايات العلمية أن في يوم من الأيام، حدث أن اصطدم كويّكب مجهول بالمريخ وتناثر الحطام الناجم عن الاصطدام في المجرة ووصل شيئاً منه إلى الأرض كحجارة نيزك "ALH84001" التي تحتوي على هياكل أسطوانية صغيرة تشبه إلى حد كبير البكتيريا النانوية الأحفورية. إنها أول باكتيريا ظهرت على الأرض ويفوق عمرها الـ 4510 مليون سنة؛ هذه الأحجار المريخية مسؤولة عن ولادة كل الكائنات الحيّة وصولاً إلى معدات العصر الصناعي والهواتف الذكية والحواسيب.

تبدو الفرضية غريبة جداً ولكنها جيدة بالنسبة إلى العقول التي تحب تصور أموراً غريبة عن نشأة الحياة على الأرض. لذلك لدينا أفكار جيدة عن كيف نشأت الحياة ولكن ليس لدينا جواباً نهائياً عن الحدث لأننا إلى الآن نجهل بشكل قاطع السبب الحقيقي لظهور الحياة.

بداية، اهتم المجتمع البكتيري ببناء رواسب المحيطات حيث كان يعيش ويستقر. ليس من السهل ممارسة رياضة القفز الزمني أثناء عملية استطلاع آلية تطوير البكتيريا لأشكال الحياة، ولكن عندما ندرك أن كل شيء في الحياة مصنوع من البكتيريا؛ شيئاً فشيئاً يتحول العالم المحيط بنا إلى عمارة بكتيرية كبيرة جداً.


فمن خلال تمثيل البكتيريا الضوئي امتلأت أعماق البحار برواسب أكسيد الحديد (الصدأ) وكانت البكتيريا الأرجوانية الضوئية اللاهوائية متكفلة بإنتاجه منذ 3,830 مليون سنة إلى حوالي 1800 مليون سنة. عام 2020 استخدم البشر ما يقارب الـ 3 مليار طن من الحديد في الصناعات الحديثة، وحوالي 207 مليون طن تم تعيينها في صناعة التقنيات الحديثة. إن كل الحديد الذي يتم استخراجه تجارياً اليوم هي المنتج الحصري لعمل مجتمع البكتيريا الأرجوانية التي كانت تنتج بكثافة منذ 3830 مليون سنة كميات ضخمة جداً من ذرات حديد وثلاث ذرات أكسجين في جوف المحيطات، مما وفر ما لا يقل عن 705 مليار طن من طبقات الحديد في قاع البحار والمحيطات.

إن البكتيريا كائن مهول ويعود لها الفضل المباشر في تشييد العصور الصناعية الضخمة خصوصاً، خلال العصر الصناعي استخدم الحديد بشكل وفير، ولكننا في العصر الرقمي نشهد على حقبة استنزاف الحديد إلى أقصى إمكاناته. لذلك من الآن فصاعداً علينا أن نكون أكثر امتنانا للبكتيريا المسؤولة عن عظمة المشهد التكنولوجي الراسخ فينا. إذ يمر الوقت نحو المستقبل وتقحم البكتيريا إنتاجها السحري للحديد في بناء العالم وتساهم أكثر فأكثر في تركيب العالم من حولنا. لقد كانا عام 1700 أي أوائل العصر الصناعي تستخدم حوالي 12000 طن من الحديد كل سنة ليرتفع الرقم إلى أكثر من مليوني طن من الحديد بحلول عام 1850.



لم أكن أتوقع أن يجيبني "غوغل" على سؤال: "كم عدد البكتيريا على الأرض". أعلم أنه يوفر الإجابة لكل الأسئلة. وبكل صدق؛ يصعب تخيّل عدد البكتيريا، أو تخيّل أن أحدهم؛ منح وقته لإحصائها. ولكن على ما يبدو أن ثمة من قدم وقته لإتمام هذه المهمة العلمية الشاقة، ويقول لنا أن عدد البكتيريا على الأرض هو تقريباً: 500000000000000000000000000000000.
نعم رقم 5 وإلى جانبه 30 صفراً وتتوزع على ترليون فصيلة!